02-07-2011, 02:18 AM
|
#1
|
تشيلساوي صميم
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 22612
|
تاريخ التسجيل : Feb 2011
|
أخر زيارة : 07-16-2011 (05:04 PM)
|
المشاركات :
564 [
+
] |
التقييم : 559
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
مصعب بن عمير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا إتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الأكارم :
مع الدرس الثاني عشر من دروس سيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين . صحابي اليوم شاب متألق أشد التألق ، رخيٌ ، يرفل في حلل أنيقة ، كان مضرب المثل في شباب قريش ، إنه : مصعب بن عمير.
وقبل أن أمضي في الحديث عن هذا الصحابي الجليل ، لا بد من تعليق ضروري ، لماذا ندرس سير صحابة رسول الله ؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
إن الله اختارني ، واختار لي أصحابي .
فأصحابه نماذج للبطولة ، كل صحابي يمثل ـ بالتعبير الاجتماعي ـ نموذجاً اجتماعياً .
فأحدنا إذا قرأ سير صحابة رسول الله ، لابد من أن يجد في بعض الصحابة ما ينطبق عليه ، فيعد هذا الصحابي إذاً لهذا الأخ الكريم قدوة .
سيدنا مصعب بن عمير ، شاب من شباب مكة الذين يشار إليهم بالبنان ، منحه الله وسامة ونجابة ، ومروءة ، وحدّثْ عن هذا ولا حرج ، لكن الذي كان يلفت نظر الناس إليه أناقته المتناهية ، أثوابه الجميلة ، رقة حاشيته ، وقد تجد في شباب اليوم من يستهويه الثوب الأنيق ، والشعر المرجل والرائحة العبقة ، والأناقة في الحديث ، والتعبير ، والحركة ، والثياب والبيت ، هذا الصحابي ، يمثل هذا النموذج .
يصفه كتاب السيرة بأنه كان فتى ريان ، مدللاً ، منعماً ، كان حديث حِسان مكة ، لؤلؤة ندواتِها ومجالسها .
انظروا أيها الأخوة :
إلى هذا الشاب الأنيق ، الناعم ، الذي حباه الله ببحبوحة الحياة و بأناقة المظهر ، وبحسن الطلعة ، هذا الشاب سمع حديث النبي عليه الصلاة والسلام ، وكيف أنه جاء بالتوحيد ، وكيف أنه دعا الناس إلى الإسلام وكيف أنه مع أصحابه القلة ، الخُلّص ، كانوا في دار الأرقم بن أبي الأرقم ، هذا الصحابي ، بدافع حب الحقيقة ، بدافع رغبته الجامحة في معرفة شأن هذا النبي ، توجه إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم ، ليلتقي النبي عليه الصلاة والسلام ويبدو أن هذا الشاب ينطوي على حب للحقيقة ، وإيثار للحق ، فما إن رأى النبي عليه الصلاة والسلام حتى تجاوبت نفسه معه ، وهفا قلبه إليه ، ومد النبي عليه الصلاة والسلام يده ليصافحه ، وليمسح عن صدره آثار الجاهلية ، وكانت لحظة إيمانٍ رائعةٍ سرت في أحناء هذا الصحابي الجليل ، وأعلن إسلامه على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن !. لِهذا الصحابي أم أسمها خناس بنت مالك ، تتمتع هذه الأم بقوة في شخصيتها فذة ، وقد تجد في كل عصر أماً قوية الشخصية يهابها أبناؤها ، إلى درجة الخوف ، يأتمرون بأمرها بقوة سحرية يخافون غضبها ، يرجون رضاها ، أم هذا الصحابي الجليل سيدنا مصعب بن عمير ، اسمها خناس بنت مالك ، تتمتع بقوة فذة في شخصيتها ، وكانت مهابةً إلى حد الرهبة . قال مصعب حينما أسلم : لم يكن يخاف أحداً ، ولا يخشى أحداً ولا يحسب حساب أحدٍ إلا أمه ، لو قيل له واجه الناس جميعاً ، واجه كل من في مكة لا يهابهم ، لكن قلبه كان يرتعد ، وأعصابه تتوتر حينما يذكر كيف سيواجه أمه بإسلامه .
كما هي العادة فكر في كتمان إسلامه ، كتم إسلامه وبالمناسبة : فإن الإنسان أحياناً يمرُّ في ظروف صعبة جداً ، وفي حالات استثنائية يجد من المناسب أن يكتم إيمانه ، وقد ورد في القرآن الكريم إشارة إلى ذلك :
( سورة غافر : 28 ) .
في حالات صعبة جداً ، وفي ظروف قاهرة ،وفي فتن مستعرة وفي حالات حرجة لا تستطيع أن تظهر ، والله عز وجل ما كلف الإنسان فوق طاقته ، فهذه الإشارة في القرآن الكريم ، تسلية لكل من كتم إيمانه :
( سورة غافر : 28 ) .
فسيدنا مصعب رأى من المناسب أن يكتم إيمانه أو إسلامه عن أمه ، فظل يتردد على دار الأرقم بن أبي الأرقم ، ويجلس إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو قرير العين بإيمانه، لكنه تفادى غضب أمه بهذا الكتمان هناك قاعدة أنه لا شيء يختفي ، مهما حاولت أن تخفي شيئاً لا بد وأن يظهر ، بالمناسبة ، إذا أيقنت أن شيئاً لا يختفي فكن صادقاً ، هذه الحقيقة إذا ظهرت بادئ ذي بدء منك أفضل من أن تظهر ، أو أن تضبط متلبساً بها .
على كلٍ رجل اسمه عثمان بن طلحة ، أبصر به وهو يدخل خفية إلى دار الأرقم ، هذا الرجل عثمان بن طلحة حينما رآه يدخل دار الأرقم ، سابق الريح إلى أمه ليخبرها أن أبنك يتردد على دار الأرقم مقر النبي عليه الصلاة والسلام ، حينما واجهته أمه ، يعني ضبط متلبساً ، وهو يدخل دار الأرقم ، أجل حينما واجهته أمه ما استطاع أن ينكر الحقيقة ، بل قرر أن يظهرها ، وقف أمام أمه وعشيرته وأشراف مكة المتجمعين حوله يتلو عليهم في يقينٍ ، وثباتٍ القرآن الذي غسل قلبه وغذّى فؤاده ، وملأ جوانحه سعادة .
ألم أقل لكم قبل قليل أن أمه كانت قاسية جداً ، همت أمه أن تسكته بلطمة قاسية ، ولكن اليد التي امتدت لتلطمه ، ما لبثت أن استرخت وترنحت أمام النور الذي زاده وسامة في وجهه .
يعني لا أدري ماذا أقول لكم ، المؤمن أحياناً يهبه الله هيبة ورقة ، و وضاءة ، وجمالاً ، بحيث إن الذي يريد أن يناله بالأذى يجمد في مكانه .
وذات مرة وقف الحسن البصري رحمه الله تعالى ، موقفاً فيه جرأة بالغة جداً ويعني بلغة العصر تهوّر ، بلغ الحجاجَ موقفُه ، وانتقادهُ فأمر السياف أن يقطع رقبته ومُدّ النطع في مجلس الحجاج ، والنطع عبارة عن جلد إذا قطع رأس هذا الرجل ، لئلا تصل الدماء إلى الأثاث الفخم ، والطنافس ، والأرائك ، فيمد جلد كبير جداً ، يقف هذا الذي يراد أن يقطع رأسه في وسطه وتضرب عنقه ، فإذا نفر الدم أصاب هذا النطع ، أجل مد النطع ، وطُلب الحسن كي تقطع رقبته ، فلما دخل الحسن البصري على الحجاج ، تمتم بشفتيه ولم يسمع أحد ماذا قال لكنه فيما يبدو طلب من الله عز وجل أن يحميه ، من بطش هذا الرجل ، و ما إن دخل ووجهه يتلألأ نوراً ، حتى وقف له الحجاج ودعاه إلى أن يجلس جنبه ، وسأله الدعاء وآنسه ، وطيب قلبه ، واحترمه أشد الاحترام ، وضّيفه ، ثم ودعه فالسياف وقف مذهولاً ، لا يدري ماذا يقول ، إذاً فلماذا جئتم بي إلى هنا .
فالمؤمن له هيبة أيها الأخوة ، والله ، إذا كنت مع الله لاكتسبت هيبة لا يعلمها إلا الله ، من هاب الله هابه كل شيء ، المؤمن له هيبة ، له شخصية قوية ليست من صنعه ، ولكن من تفضل الله عليه . على كلٍ هذا الصحابي الجليل حينما همت أمه أن تلطمه على وجهه وهو يتلو القرآن ، استرخت يدها ، وأخذت بأنوار وجهه ، لكنها ما لبثت أن أخذته بعد أن تلا على قومه القرآن ، لتحبسه في غرفة قصية من غرف البيت وكأنها بسذاجة إذا حبسته كف عن متابعة النبي الكريم ، وعن زيارته ولكن كان حبسها له بلا جدوى.
وبلغ سيدنا مصعباً أن النبي عليه الصلاة والسلام ، أمر أصحابه ، أن يهاجروا إلى الحبشة ، بطريقة أو بأخرى ، فانسل من غرفته القصية ، التي حبسته أمه بها ، ولحق بالقافلة ، وهاجر مع من هاجر إلى الحبشة ، وبعد أن أقام هناك ردحاً من الزمن ، عاد والتحق بالنبي عليه الصلاة والسلام ، وخرج يوماً على بعض المسلمين .
وهم جلوس حول النبي صلى الله عليه وسلم بثياب رثة بالية بينما كان يرتدي أجمل الثياب ، وأغلاها ثمناً وأكثرها أناقة في الجاهلية .
يعني أن المجتمع الراقي بالتعبير اليومي فيه من يقول لك : بأن بذته اشتراها بثمانين ألف من لندن وحذاؤه بثمانية عشر ألفاً فهناك أشخاص يكتسب مكانته من ثيابه فقط ، وهذا مصداق ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام : في آخر الزمان ، قيمة الرجل متاعه .
هذا الصحابي يمثل الطبقة الغنية ، الأنيقة ، صاحبة الأذواق الرفيعة ، في اختيار الثياب ، في اختيار الحاجات . فخرج يوماً على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما إن بصروا به ، حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم ، وذرفت بعض عيونهم دمعاً شجياً . ذلك أنهم رأوه يرتدي جلباباً مرقعاً بالياً ، وعاودتهم صورته الأولى قبل إسلامه ، حيث كانت ثيابه كزهور الحديقة نضرة ، وعطرة ...
تمّلى النبي الكريم تملاه جيداً ، تملّى مشهده بنظرات حكيمة شاكرة ، محبة ، وتألقت على شفتيه ابتسامة جليلة وقال : لقد رأيت مصعباً هذا ، وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه ، ثم ترك ذلك كله حباً لله ورسوله .
فلتقف إذاً وقفة قصيرة . يعني إذا كان الإنسان ذا دخل محدود ، وبإمكانه أن يحصل على أموال طائلة بطريق غير مشروع ، فاختار طاعة الله ، ودخله المحدود جعله يرتدي ثياباً من الدرجة الخامسة ، وبيته متواضع ، وأكله خشن ، فأنا أرى أن هذا وسام شرف ، كله زائل أيها الأخوة ، يعني إذا أنت آثرت الحق آثرت أن تستقيم على أمر الله ، آثرت أن ترضي الله عز وجل ، آثرت ألا تأكل حراماً ، آثرت أن تأكل من كد يدك ، وعرق جبينك ، آثرت ألا تأكل مالاً ليس لك ، هذا الدخل الشرعي الحلال ، الطيب ، قليل لكن هذا الدخل القليل جعلك
تسكن بيتاً صغيراً ، وأن تأكل طعاماً خشناً وأن ترتدي ثياباً من الدرجة الخامسة ، فهل تستحيي مما أنت عليه ؟ إن كنت تستحيِ مما أنت فيه ، فأنت لا تعرف الله .
والله أخٌ كريم محامٍ ، قال لي : يا أستاذ : جاءني رجل عرض عليّ قضية لأكون وكيلاً له فيها وهذه القضية مشمولة بقانون العفو فكنت صادقاً معه ، قلت له يا فلان قضيتك لا تحتاج إلى محامٍ ، تقدم بطلب إلى المحكمة الفلانية ، وسيصدر حكمٌ فوري بإعفائك من هذه الجنحة لأن قانون العفو يشملك ، لكنه لم يقتنع فذهب إلى محامٍ آخر بث في روعه أن القضية خطيرة جداً ، و يجوز أن يسجن فيها عشر سنوات ، حتى ابتز منه عشرين ألفاً ، ولم يكتفِ بهذا بل اتهمني أنني لا أفقه شيئاً بالمحاماة وقال عني :هذا أجدب ، مو فهمان …. فكان هذا المحامي متألماً لما اتهم به . أما أنا فوالله أيها الأخوة ، حينما قال لي هذا الكلام ، رأيته إنساناً كبيراً في نظري قلت له والله كلام الناس عنك ، بأنك محامٍ مبتدئ أو ساذج، والله هذا وسام شرف عند الله عز وجل ، هذا هو المؤمن ، وهكذا يجب أن يكون .
أنا أتمنى على إخواننا الكرام أن يتحلوا بالاستقامة ، فالإنسان عندما يستقيم فقد تكون عنده إمكانيات كبيرة ، ولكن إذا استقام وأرضى الله عز وجل فهو ملِك في الدار الآخرة .
فمصعب بن عمير ، من أسرة غنية جداً ، ولو بقي على دين آبائه لعاش حياة ناعمة جداً ، لكن لأنه أسلم ، والتحق بالنبي عليه الصلاة والسلام ، وكان أصحاب النبي رضوان الله عليهم فقراء ضعفاء :
( سورة هود : 27 ) .
أي فقراء وهذا شأن كل نبي ، كبراء القوم ، أصحاب الغنى ، هؤلاء غارقون في شهواتهم ، أصحاب القوة غارقون في وجاهاتهم ، لكن الضعاف يتبعونه ، هؤلاء الضعاف سيغنيهم الله عز وجل .
وهذه كلمة قالها النبي الكريم ، لعدي بن حاتم ، لا أنساها ما حييت ، قال له :
لعلك يا عدي ، إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم ، من فقرهم ، وايم الله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعله إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من كثرة عدوهم فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة البابلية تحج البيت على بعيرها لا تخاف ، ولعله إنما يمنعك من دخول في هذا الدين أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم ، فو الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البابلية مفتحة للمسلمين .
فالبطولة أن تكون مع الحق ، وليكن ما يكون ، البطولة أن تكون على منهج الله عز وجل غنياً كنت أو فقيراً ، طبعاً الغنى مع الإيمان وارد ، فسيدنا ابن عوف كان غنياً ، وكان يقول وماذا أفعل والله لأدخلتها خبباً ، فلقد جاءته قافلة من سبعمائة بعير محملة ببضاعة ثمينة من الشام ، حتى ضجت أسواق المدينة ، فقالت عائشة ما هذا الضجيج ؟ قالوا قافلة لعبد الرحمن بن عوف ، فقالت : أخشى أن يدخل الجنة حبواً فلما بلغه ذلك قال والله لأدخلنها خبباً ، وما عليّ إذا كنت أنفق مائة في الصباح فيؤتيني الله ألفاً في المساء ، اشهدوا أن هذه القافلة كلها لله عز وجل . تصور والآن أن واحداً جاءته قافلة من سبعمائة سكسويل سبعمائة شاحنة براد كبيرة، سبعمائة ، فقال اشهدوا أنها كلها في سبيل الله . على كلٍ فالنبي الكريم قال عن هذا الصحابي: لقد رأيت مصعباً هذا وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه ، ثم ترك ذلك كله حباً لله ورسوله .
إذا كنت مستقيماً ، وحياتك متواضعة فافتخر وازهو.
( سورة الأحزاب : 71 ) .
( سورة الأعراف : 128 ) .
( سورة الحجرات : 12 ) .
آيات كثيرة ، تبشر المستقيمين على أمر الله ، بالفوز في الدنيا والآخرة ، حاولت أمه مرة ثانية أن تحبسه ولكنه أصر وقال : والله لأقتلن كل من تستعين به أمي على حبسي ، علمت أنه صادق وأنه يعني ما يقول ، فكفت عنه .
فلما جرى نقاش بينه وبينها قال لها يا أمي : إني لك ناصح وعليك شفوق ، فاشهدي أنه لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله أجابته غاضبة مهتاجة : قسماً بالثواقب لا أدخل في دينك ، فيزرى برأيي ويضعف عقلي .
والله هذه عقلها ضعيف ولو أن عقلها كان راجحاً لآمنت بالنبي عليه الصلاة والسلام .
قال عليه الصلاة والسلام : أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً .
و حينما أسلم وأصر على إسلامه ، وترك دين آبائه ، حرمه أهله من كل شيء ، يقول كتاب السيرة : خرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثراً الشظف والفاقة وأصبح الفتى المتأنق المعطر ، لا يرى إلا مرتديا أخشن الثياب . أنا أعرف فتاة مؤمنة تنتمي إلى أسرة غنية جداً ، لكنها اصطلحت مع الله وأنابت إليه ، فحينما أنابت إلى الله عز وجل ما بقي أحد من الشباب الأغنياء الذين يعرفونها قبل توبتها يرغبون بها خطبها رجل فقير دخله محدود ، فقلبت ، وانتقلت من بيت واسع جداً إلى بيت صغير ، ومن طعام نفيس ، إلى طعام خشن ومن ثياب أنيقة إلى ثياب متوسطة معتدلة ، وقالت بملء فيها : أنا سعيدة بمعرفة الله ، وسعيدة بهذا الزوج ، وأنا أرضى أن أتخلى عن كل دنياي من أجل طاعة الله عز وجل .
أعرف فتاة سمعت عنها ، وأن أباها يدير أكبر ملهى من الملاهي التي تدر عليه أرقاماً فلكية ، ولو أنها طلبت من أبيها عدة ملايين لأعطاها إياها لكنها تعمل معلمة في إحدى قرى دمشق وتأكل من دخلها ولا تأخذ من مال أبيها شيئاً ، لأنها تعتقد أن مال أبيها كله حرام .
فهذه الأخبار عن مصعب تعني أن هذا الصحابي الجليل نموذج لكل شاب ، ينتمي إلى أسرة غنية فلما خرج عن نمط حياة أسرته ، وحرمه أهله ، عاش حياة متقشفة فله بهذا الصحابي الجليل ، أسوة حسنة . مرة ثانية لأنك مستقيم فدخلك محدود ، والله عز وجل لحكمة أرادها جعل الحرام سهلاً ، وجعل الحلال صعباً ، الحرام سهل ، يعني امرأة تشتغل أحياناً ثماني ساعات تأخذ مائة وخمسين ليرة في خدمة شاقة في البيوت ، وامرأة تبيع ما وهبها الله من جمالٍ تبيعه بمبالغ طائلة لوقت قصير ، فهذه امرأة وهذه امرأة !! ولكن أين الثرى من الثريا؟
و الإنسان حينما يخلص لله عز وجل ربنا عز وجل يندبه لأعظم المهمات ، وعندما يخلص ، فالله عز وجل يستخدمه في الحق .
سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام كان في أصحابه من هو أكبر من مصعب سناً ، وأعلى شأناً ، وأكثر جاهاً ، وأقرب إلى النبي نسباً ، لكن عليه الصلاة والسلام ندبه ليكون خليفة له في المدينة قبل أن يهاجر إليها .
وهناك بالسيرة أمرٌ أقف أمامه محتاراً ، أنه حينما هاجر النبي إلى المدينة ، كيف أن أهلها خرجوا عن بكرة أبيهم يستقبلونه ، ويعظمونه ويصدقونه ، ويحبونه ، وهم لم يلتقوا بها من قبل ، فهل عرفتم ما السر ؟
السر أن هذا الصحابي الجليل الذي أرسله النبي إلى المدينة قبل أن يهاجر إليها جعل الله هداية كبار أصحابه من الأنصار على يديه .
منهم مثلاً سيدنا سعد بن عبادة ، سيدنا سعد بن معاذ ، كبار الصحابة أسلموا على يده ، قبل أن يأتي النبي . هذا الشيء نقلني إلى فكرة ، فأحياناً ترى الجامع ملأنَ ، فهل تعرف الفضل لمن يعود ؟ لبعض الأخوة النشيطين الذين يندفعون لنشر الحق ، يُقنع جاره ويقنع أخاه ، يقنع ابنه ، يقنع أباه ، يقنع زميله في العمل ، يعني يدعوه إلى المسجد ، يدله على الله ، يسمعه بعض الأشرطة ، يناقشه ، يخدمه ، فغص الجامع وامتلأ ، هذا الجامع أساسه أخ نشيط بذل كل شيء ، حتى أقنع الناس بالحق ، وحتى أقنعهم بالهدى ، وحتى حملهم على التوبة .
المدينة عن بكرة أبيها تخرج لاستقبال النبي و لم يلتقوا به من قبل ، ولم يسمعوا كلامه ، من الذي جلس بينهم ، ودعاهم إلى الهدى ، وقرأ عليهم القرآن ، وحدثهم عن النبي عليه الصلاة والسلام ، بين لهم شمائله الشريف ، عرفهم بربهم ، بين كمال الله عز وجل ، بأسمائه الحسنى ،و صفاته الفضلى من هذا الذي كان يعمل ليلاً ونهاراً ، سيدنا مصعب ...
يعني ماذا أقول إن صح التعبير ، إن الأنصار كلهم في صحيفته . تضيق عليك دنياك ويقل دخلك ، لكن الله عز وجل يعطيك أضعاف مضاعفة عطاءً لا ينتهي بالموت ، يبدأ بعد الموت.
فالإنسان لا يقيس نفسه ويقيس الآخرين بالأمور المادية ، هذا قياس فاسد ، رب أشعث أغبر ذي طمرين ، مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره لا تقس نفسك بمساحة بيتك ، ولا بمستوى بيتك ، ولا بدخلك ، ولا بمركبتك ، قِس نفسك بطاعتك لله ، واجعل قوله تعالى نصبَ عينيك :
( سورة الحجرات : 12 ) .
صحيح أن هذا الصحابي ، فقد الثوب الجميل ، والرائحة العطرة لكنه صار من الخالدين في دنيا الناس وعند الله تعالى و الإنسان ما له حق في أن يفتخر بدنياه أيها الأخوة ، فإذا افتخر بدنياه أفسد حياة الناس وصرفهم عن الآخرة ، أما إذا حدثهم عن الله عز وجل ، فقد قربهم إلى الله وأصلح عليهم دنياهم لا أفسدها .
وعندنا قصة يبدو أن فيها حكمة فهذا الصحابي الجليل ، قال ذات يوم وهو يعظ الناس ، وقد فاجأه أسيد بن حضير ، سيد بني عبد الأشهل بالمدينة وكان يدرس وحوله هؤلاء الذين أحبوا الإسلام ، وانشرحت صدورهم له ، فاجأه أسيد بن حضير شاهراً حربته يتوهج غضباً على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم ، وقال له ما جاء بكما إلى حينا ؟ هو وأسعد بن زرارة ،
وهما أخوان في الإسلام كريمان ، ما جاء بكما إلى حينا ؟ تسفهان ضعفاءنا اعتزلانا إذا كنتما لا تريدان الخروج من المدينة . و الإنسان ، إذا وقف الموقف اللين ، والموقف الحكيم ،فهو عاقل رشيد ، و هذا من نعمة الله عز وجل أن موقفاً ليناً فيه حكمة ، فقال له مصعب بلسان طيب ، أولا تجلس فتسمع فإن رضيت أمرنا قبلته ، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره اسمع أولاً . فهل سمعتم بإنسان جاءته رسالة ، مختومة لا يدري ما بها مزقها ، وسب مرسلها ؟ أقرأها أولاً ، لعل فيها حوالة ، لعل فيها دعوة ، قبل أن تمزقها وتسب مرسلها أقرأها ، هذا منطق سليم وصحيح .
قال : أولا تجلس فتستمع فإن رضيت أمرنا قبلته وإن كرهته كففنا عنك ما تكره ، فقال أسيد بن حضير وكان رجلاً عاقلاً ، والله أنصفت ، معقول ، ما أحسن هذا القول وأصدقه ، فجلس وكان مصعب يتلو عليهم القرآن فاستمع إلى القرآن ، ودخل إلى قلبه ، وشرح الله صدره ، فقال أسيد : ما أحسن هذا القول وأصدقه ، كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين ، ما العمل ؟ فأرشدوه إلى ذلك .
سيدنا عمير بن وهب مرة قال : والله لولا أولاد صغار أخاف عليهم العنت ، ولولا ديون ركبتني لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه ، فرجل أسمه صفوان كان قاعداً ، قال له ديونك علي بلغت ما بلغت ، وأولادك أولادي مهما امتد بهم العمر ، اذهب لما أردت .
فعمير من فوره سم سيفه وذهب ، ولما وصل للمدينة ، رآه سيدنا عمر فقال : هذا عدو الله ساقه إلى رسول الله ، القصة تعرفونها لكن المغزى ، هذا عمير بن وهب عدو لدود ، حاقد ، ابنه قتل في بدر ، قال له سيدنا النبي ما الذي جاء بك إلينا ؟ قال جئت أفك ابني ، قال له : وهذا السيف الذي على عاتقك ، قال له : قاتلها الله من سيوف ، فقال له النبي : ألم تقل لصفون كذا وكذا وكذا فوقف ، وقال أشهد أنك رسول الله ، لأن الذي قلته لصفوان لا يعلمه إلا الله ، وأنت رسوله ، فدخل عدواً لدوداً ينوي القتل وخرج مسلماً ، يعني الصلحة مع الله تتم بلمحة أحياناً . فهذا أسلم وخرج لكي يطهر ثوبه وبدنه ، ويشهد أن لا إله إلا الله ، بعد قليل عاد وقد أغتسل ، وأعلن الشهادة وأسلم ، أسلم أسيد بن حضير ، أسلم سعد بن عبادة ، أسلم سعد بن معاذ ، فلما يسلم الكبار ، فالصغار يتبعونهم ، إذا وفقك الله أن تتحه لإنسان له مكانته له شأنه ، مثقف ثقافة عالية ، يحتل مركزاً مرموقاً وقنع بالإسلام ، فهذا له أتباع يحذون حذوه فهي نعمة من نعم الله .
فسيدنا مصعب وفقه الله في دعوته ، فلانت قلوب كبراء المدينة ، فلما لانت قلوبهم وأسلموا معه ، ودخلوا في هذا الدين العظيم ، كل أتباعهم تبعوهم ، كلكم يعلم أن هذا الصحابي الجليل خاض معركة أحد (( غزوة أحد )) وحمل لواء من ألوية أجنحتها وكلكم يعلم أنه لما جال المسلمون واشتبكوا مع عدوهم ثبت مصعب فأقبل ابن قميئة وهو فارس فضربه على يده اليمنى فقطعها ، ومصعب يقول :
( سورة آل عمران : 144 ) .
وأخذ اللواء بيده اليسرى تم حمل حنا عليه ، عدو الله ثانيةٍ فضرب يده اليسرى فقطعها ، وحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره ، وهو يقول :
ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه واندق الرمح ووقع مصعب وسقط اللواء ، ووقع شهيداً بل كان كوكباً بين الشهداء . الشيء الذي يدمي القلب أن هذا الصحابي قال عنه بعض أصحاب رسول الله ، قالوا : هاجرنا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في سبيل الله نبتغي وجه الله، فوقع أجرنا على الله ، فمنا من مضى ولم يأكل من أجره في دنياه شيئاً .
والإنسان عندما يستقيم ويتعرف إلى الله ، ويكبر ، فالله عز وجل يكرمه ويتزوج يسكن بيتاً، ويكون له دخل جيد ، يترفه ويأكل ويسعد ويقوم بنزهات كثيرة ، يتمتع بالدنيا ، فيقول لك : الله أكرمني والحمد لله لقد استقمت على أمر الله والله أكرمني ، لكن هذه الدنيا ليست دار نعيم إذا الله أكرمك فالحمد لله ، هذه من نعم الله الكبرى ، لكن لو أن الله عز وجل ، تبعنَ إنساناً بعد أن أسلم ، وأحب الله عز وجل واختاره إلى جواره فهل ضاع عليه شيء ؟ لا ، فهذه فكرة سخيفة جداً ، إذا لم يخسر شيئاً ولا أضاع شيئاً :
( سورة آل عمران : 169 ) .
و الإنسان عندما يخلص لله عز وجل ، ويتوكل على الله عز وجل فقد ربح ورب الكعبة فهذا الصحابي الجليل حياته كلها دعوة إلى الله ، حياته كلها جهاد ، وما عليك إلا أن تتصور أن أهل المدينة الأنصار جميعاً في صحيفته ، ثم مات شهيداً فقد فاز ورب البيت .
يقول عنه خباب بن الأرت : هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيبل الله نبتغي وجه الله ، فوجب أجرنا على الله ، فمنا من مضى ولم يأكل من أجره في دنياه شيئاً .
سيدنا عمر مرة قدم له طعام طيب ، فبكى ، لماذا بكى ؟ تذكر أصحاب النبي الذين ماتوا قبل أن يفتح الله الدنيا على المسلمين ثم جاءتهم الدنيا بعد ذلك راغمة .
جاءوا بكنز كسرى ووضع الكنز على الأرض ، بحيث أن أحداً لو أمسك برمحه ، وأمسك رجل آخر برمحه في الطرف الثاني فالأول لا يرى الثاني .
فتحت عليهم الدنيا ، لكن صحابة كرام ماتوا قبل أن تفتح عليهم الدنيا هؤلاء لهم عند الله أجر مضاعف . فالإنسان يستسلم لله عز وجل ، هو الرحمن الرحيم ، الآية التي تؤثر بالنفس :
( سورة آل عمران : 158 ) .
( سورة الزخرف : 32 ) .
والإنسان دائماً يبحث عن رزقه ، ثم يبلغ درجة من الكفاية والحاجة ويبقى همه الجمع ، لكن الله تعالى يقول :
هذا سيدنا مصعب قتل يوم أحد ، ولم يجدوا له شيئاً ليكفن به إلا نمرة ، يعني رداء خشن ، فكنا إذا وضعناها على رأسه ، تعرّت رجلاه ، وإذا وضعناها على رجليه برزت رأسه ، فقال عليه الصلاة والسلام : اجعلوها مما يلي رأسه ، واجعلوا على رجليه من نبات الإذخر ضعوا قليلاً من حشيش على رجليه وارفعوا الثوب إلى رأسه .
هذا سيدنا مصعب بن عمير الذي كان من أرفه ، ومن أنعم ومن أكثر فتيان قريش أناقةً ، ونعومةً ، ورخاءً ، وغنىً ، باع دنياه في سبيل الله عز وجل .
وإذا اختار الإنسان عملاً نظيفاً ، عملاً شريفاً ، متعباً و دخله قليل لكن شريف ، ما به شبهات،و ما به مداخلات ، وما به ما يثير القلق ، فإذا اختار عملاً شريفاً متعباً دخله قليل ، وعاش حياة مع الله وادعة ، مطمئنة ، فهذا وسام شرف له ، افرح بالدخل الحلال ، إن كان كثيرا فالحمد لله ، هذا من نعم الله عز وجل لكن إن كان قليلاً ، وهو حلال ، فهذا أفضل من كثيرٍ لا
يرضي الله عز وجل ، حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام ، قال مرة لثعلبة : يا ثعلبة قليل تؤدي شكره ، خير من كثير لا تؤدي شكره . وقف النبي عليه الصلاة والسلام عند مصعب بن عمير ، وعيناه تذرفان بالدموع ، وقال :
( سورة الأحزاب : 23 ) .
ومنذ مدة قرأت نعوة ضخمة مكتوب فيها :
فممكن لكل من أراد أن يضع في النعوة هذه الآية أن يفعل ، ولكن المهم العبرة ، وحسن الخاتمة .يمكنك أن تأخذ إشارة أرقى ماركة سيارة تضعها على طنبر ، لكن يبقى الطنبر طنبراً والسيارة سيارة ، فهذه الآية تلاها النبي الكريم عندما وقف على جثمان مصعب :
ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي كفن بها وقال : يا مصعب لقد رأيتك بمكة ، وما بها أرق حلة ، ولا أحسن لمة منك ، ثم ها أنت شَعِث الرأس في بردة ، عندئذ قال عليه الصلاة والسلام : إن رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة . نعم ، أنا أشهد ، وهناك صحابي لما أسلم ثم خاض مع رسول الله معركة والله نجاه ، ووزعت الغنائم ، قال ما هذا ؟ قالوا هذه غنيمة لك قال والله ما على هذا أسلمت !! أنا أسلمت على الذبح ، أنا أسلمت على أساس أن أقدم حياتي في سبيل الله ، وفي المعركة الثانية ، وجد مقتولاً ، فالنبي الكريم قال : أهو ؟ هو ؟ هو ، قالوا هو ، هو ، فبكى النبي عليه الصلاة والسلام وقال :
اللهم إني أشهد أن هذا قاتل في سبيلك .
أهذه شهادة قليلة ؟ قال : له إن رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة ، ما في الدنيا شيء يؤسف عليه ، فالدنيا تغر ، وتضر ، وتمر .
فإذا استقمنا ، وقرأنا القرآن ، وفهمنا القرآن ، وخدمنا من حولنا و كنا أبراراً بوالدينا ، وأمهاتنا ، ونصحنا المسلمين في بيعنا وشرائنا ، وما كذبنا و ما غششنا ، وما اعتدينا ،وإن غضضنا أبصارنا عن محارم الله ، فالمطالبة قضية سهلة جداً ، ما لك مطالب أن تخوض معركة ، مُطالب فقط أن تستقيم ، ُمطالب تتعلم ، ُمطالب أن تعلم تقرأ القرآن ، تفهم القرآن ، تُعلم القرآن ، تستقيم على أمر الله ، تعامل الناس بالإحسان تكون صادقاً ، تكون أميناً ، إذا
فعلت هذا في عصر الفتن ، وعصر الضلالات ، وعصر الشبهات ، وفي عصرٍ فيه القابض على دينه كالقابض على جمر فلك أجر عظيم . النبي الكريم قال : اشتقت لأحبابي ، قالوا أو لسنا أحبابك قال لا : أنتم أصحابي ، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان ، القابض منهم على دينه كالقابض على جمر ، أجره كأجر سبعين ، قالوا : منا أم منهم ، قال : بل منكم ، قالوا ولم ؟ قال : لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون . المسلم المؤمن غريب ، يعني أن أقرب الناس إليه يستنكر استقامته يُستنكر إذا أراد ألا يختلط مع الناس ، ترى إنساناً أهله بالمظهر دينين وإسلام ومسلمين ، يوصفون بأنهم محافظون ، فهؤلاء الذين زعموا أنهم محافظون يريدون اختلاط للجنسين ويريدون أن يسفر وجه المرأة ، ويحتالون ليجدوا إلى التفلت من أمر الله عز وجل سبيلاً يسلكوه . على كلٍ فالشيء الذي يبرز في حياة هذا الصحابي الجليل ، أنه كان من أسرة غنية ، فلما أصر على إسلامه وإيمانه ، فقد كل ما يمكن أن يناله من والديه فعاش فقيراً ، ونذر نفسه لهذا الدين العظيم فاختاره الله ليكون خليفة النبي في المدينة .
لذلك يمكن أن نذكر ثانية أن أكثر الأنصار كانوا في صحيفته ، هذا عمل عظيم والنبي الكريم كان إذا أراد أن يصلي أزاحت السيدة عائشة رجليها لأن غرفته لا تتسع لصلاته ونومها ، والآن اذهب إلى مقامه الشريف يطالعك أضخم مسجد في العالم .
ولقد حججت قبل ثلاثة أعوام فكان المقام الذي كان في العهد العثماني تقريباً في عرض مسجدنا هذا ، وإلى نصفه ، هذا المسجد النبوي الذي وسعه العثمانيون ، يعني أضافوا إليه إضافة ثم وسعه السعوديون توسعة تعدل عشرة أمثال ما كان عليه تقريباً ، يعني صار البناء على العرض نفسه ممتداً إلى الشمال وفيه فسحتان سماويتان ، في العام الماضي حينما حججت أية مساحة هذه ؟! أكثر من عشرة أمثال المساحة السابقة فهو مدينة كاملة ،و الإنسان
أحب أن يطوف حوله فالمسافة تقريباً خمسة كيلومترات ، يعني كان الحج بأيام حارة جداً ، وسمعت أنه مكيفاً و يعـــــد أعظم تكييف في العالــم ، والأجهزة على بعد سبعة كيلومترات،ومساحتها مائتان وسبعون ألف متر مربع تكون درجة الحرارة خارج الحرم ستاً وخمسين درجة ، أو اثنين وخمسين ، كأنما تلفح وجوههم النار ، بينما هي بالحرم ثماني عشرة درجة أو نحوها .
النبي عاش حياة خشنة ، لكن عرف المسلمون قيمته وقدره ، كل هذا الاعتناء دليل مقامه العظيم عند الله عز وجل ، الدنيا تضر ، وتمر وتغر ، حاول أن تكون على أمر الله ، و أن تكون مستقيماً و أن تكون ملتزماً ، و أن تتعلم ، و أن تعلم ، فإذا كنت كذلك ، فهذا الصحابي الجليل قدوة لنا ، والله ولا يخفضك عند الله ! دخلك القليل ، لا والله ، لا يخفضك عند الله بيتك الصغير ، ولا يرفعك العكس ، لكن ترفعك طاعتك ، وتخفضك معصيتك .
لذلك مصعب هذا قدوة لكل شاب عاش بأسرة مرفهة ، ناعمة ، فلما أصر على إيمانه وإسلامه، والناس تخلوا عنه عاش حياة خشنه ، ومن كان كذلك فله بهذا الصحابي الجليل ، أسوة حسنة .
والحمد لله رب العالمين
lwuf fk uldv
|
|
|