كما تُكره الصلاة فى الملابس الحازقة التى بضيقها تحكى العورة و تصف شكلها
و حجمها ، فإنه لا تجوز الصلاة فى الثياب الرقيقة التى تشفّ عما وراءها من البدن ، كملابس بعض المفتونين اليوم بهذه الطُرز من الثياب ، يقصدون هذه العيوب الشرعيّة قصداً ، لأنهم أسرى الشهوات ، و عبيد العادات ، و لهم مِنْ دعاة الإِباحة مَنْ يرغّبهم فيها ، و يفضّلها لهم على غيرها ، بأنها من الجديد اللائق ، بمجددى الفسق و الفجور ، و ليست من العتيق البالى المذموم ، لأنه قديم!
و من هذا الباب:
[1/2] الصّلاة فى ملابس النّوم البيجامات.
أخرج البخارىّ فى صحيحه بسنده إلى أبى هريرة رضى الله عنه قال: قام رجل إلى النبى فسأله عن الصّلاة فى الثّوب الواحد ، فقال : أوَ كلّكم يجد ثوبين؟! ثم سأل رجل عمر ، فقال : إذا وسّع اللهُ فأوسعوا : صلّى رجل فى إزارٍ و رداء ، فى إزار و قميص ، فى إزار و قباء ، فى سراويل و رداء ، فى سراويل و قميص ، فى سراويل و قباء ، فى تُبّان و قباء ،في تُبّان وقميص.
و رأى عبد الله بن عمر نافعاً يصلى فى خلوته ، فى ثوبٍ واحدٍ ، فقال له : ألم أكسك ثوبين؟
قال : بلى. قال : أفكنت تخرج إلى السوق في ثوبٍ واحد ؟ . قال : لا . قال : فالله أحق أن يتجمّل له. وهكذا مَنْ يصلّى في ملابس النوم ، فإنه يستحيي أن يخرج إلى السوق بها ، لرقّتها و شفافيتها .
قال ابن عبد البر فى التمهيد : 6/369 : إن أهل العلم يستحبّون للواحد المطق على الثياب ، أن يتجمّل فى صلاته ما استطاع بثيابه ، و طيبه ، و سواكه .
قال الفقهاء فى مبحث شروط صحة الصّلاة : مبحث ستر العورة : و يشترط فى الساتر أن يكون كثيفاً ، فلا يجزىء الساتر الرقيق ، الذى يصف لون البشرة.
وهذا فى حق الذّكر و الأنثى ، سواء صلّى منفرداً أم جماعةً ، فكلّ مَنْ كشف عورته مع القدرة على سترها ، لا تصح صلاته ، و لو كان منفرداً فى مكانٍ مظلم للإجماع على أنه فرض فى الصلاة ، ولقوله تعالى : { يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } المراد بالزّينة : محلها و هو الثّوب ، و بالمسجد الصّلاة ، أى: البسوا ما يوارى عورتكم عند كلّ صلاة3.
و من هذا الباب :
[2/2] صلاة بعضهم فى الثوب الساتر للجسد دشداش رقيق ، يصف لون البشرة ، دون سروالٍ تحته. و فى مقولة عمر السّابقة ، التى قدم فيها أكثر الملابس ستراً ، أو أكثرها استعمالاً ، وضمّ إلى كلّ واحدٍ واحداً ، و لم يقصد الحصر فى ذلك ، بل يلحق بذلك ما يقوم مقامه ، دليلٌ على وجوب الصّلاة فى الثياب الساترة ، و أن الاقتصار على الثّوب الواحد ، كان لضيق الحال ، و فيه : أن الصّلاة في الثوبين ، أفضل من الثّوب الواحد ، و صرّح القاضى عياض بنفى الخلاف فى ذلك.
قال الإمام الشافعى : و إن صلى في قميص يشف عنه ، لم تجزه الصّلاة.
وقال: و المرأة فى ذلك أشدّ حالاً من الرجل ، إذا صلّت في درع و خمار ، يصفها الدّرع ، و أحب إلىّ أن لا تصلى فى جلباب فوق ذلك ، و تجافيه عنها لئلا يصفها الدّرع.
فعلى المرأة أن لا تصلى فى الملابس الشفافة من النّايلون و الشيفون ، فإنها لا تزال كاسية سافرة ، ولو غطى الثوب بدنها كله ، حتى لو كان فضفاضاً . ودليل ذلك :
قوله صلى الله عليه و سلم: "سيكون فى آخر أمتي نساء كاسيات عاريات …."
قال ابن عبد البر : أراد صلى الله عليه و سلم : النساء اللواتى يلبسن من الثياب ، الشىء الخفيف ، الذى يصف و لا يستر ، فهن كاسيات بالإسم ، عاريات فى الحقيقة.
وعن هشام بن عروة : أن المنذر بن الزّبير قدم من العراق ، فأرسل إلى أسماء بنت أبى بكر بكسوة من ثياب مرويّة و قوهية – من نسيج قوهستان ناحية بخراسان – رقاق عتاق ، بعدما كفّ بصرها ، قال : فلمستها بيدها ، ثم قالت : أف ، ردّوا عليه كسوته . قال: فشقّ ذلك عليه ، وقال : يا أمّة ، إنه لايشف .
قالت: إنها إن لم تشف ، فإنها تصف.
قال السفارينى فى غذاء الألباب: إذا كان اللباس خفيفاً ، يبدى – لرقّته و عدم ستره – عورة لابسه ، من ذكر أو أنثى فذلك ممنوع ، محرّم على لابسه ، لعدم سترة العورة المأمور بسترها شرعاً ، بلا خلاف.
وقال الشوكانى فى نيل الأوطار : 2/115 : يجب على المرأة أن تستر بدنها بثوب لا يصفه ، و هذا شرط ساتر العورة .
وذكر بعضُ الفقهاء أن الثياب التي تشف فى بادىء النظر ، وجودها كعدمها ، و عليه فلا صلاة للابسها.
و صرّح بعضهم أن زىّ السلف لم يكن محدّداً للعورة بذاته لرقّته ، أو بغيره ، أو لضيقة و إحَاطته.