منزعج جداً من ردود فعل كثيرة.. رافضة وساخرة تفيض بالتكذيب والاستنكار والتهكم والشكوك.. استقبلت إعلان محمد بديع، المرشد العام للإخوان المسلمين، أمس الأول فى الغربية اعتزام الجماعة إنشاء نواد رياضية وفرق لكرة القدم.. ولم أفهم سر هذا الغضب أو الرفض أو لماذا كل هذه السخرية إلى حد تأليف وترويج نكات وتعليقات فجة شهدتها مواقع وصفحات الإنترنت وحروب الـ«فيس بوك» المقدسة.. تطال وتدور كلها حول الفريق الكروى الإخوانى الجديد وكيف سيتم استبدال التعابير والألفاظ الكروية الشائعة بمصطلحات إسلامية..
وأثبت ليبراليون ومثقفون كثيرون أنهم تماماً، كما السلفيين والمتشددين الإسلاميين.. هؤلاء الليبراليون والمثقفون الذين يرفضون التشدد والتعصب والتصلب الإسلامى كشفوا لنا فى هذا الاختبار المفاجئ أنهم أيضا يرفضون الحوار من الأساس ولا يمنحون الآخر أيا من هذه الحقوق التى يحتكرونها دوما لأنفسهم.. لم أفهم أيضاً أياً من هذه الموانع التى اخترعها البعض فى لحظة، وتمنع الإخوان من لعب كرة القدم.. وكنت أتمنى لو أن المرشد العام.. قبل أن يعلن ذلك.. رجع إلى أوراق الجماعة وتاريخها وملفاتها المعلنة والسرية..
وقتها كان سيدرك أن كل ما أعلنه فى الغربية ليس جديداً.. وأن الإخوان لم يكونوا فى انتظار ثورة يناير أو سقوط نظام ليبدأوا لعب كرة القدم.. فالإخوان يلعبون الكرة ووقعوا فى غرامها أو أرادوا استثمار شعبيتها منذ أن تأسست جماعتهم عام ١٩٢٨.. وكانت هناك دروس كثيرة تلقاها وحكايات توقف أمامها الإمام حسن البنا جعلته منذ البداية يفكر فى كرة القدم ويحترمها ويحتاج إليها أيضا.. لدرجة أنه فى عام ١٩٣٨ تم وضع أول لائحة رياضية للإخوان المسلمين..
لائحة حقيقية ومكتملة وافق عليها واعتمدها المرشد العام وباتت واجبة النفاذ والاحترام والالتزام بها داخل كل صفوف الجماعة.. وفى المادة الأولى من تلك اللائحة نعرف أن الأندية الرياضية للإخوان المسلمين.. هى وحدات قائمة بذاتها تخضع لإدارة الأندية بالمركز العام.. وعند حدوث أى خلاف يكون مكتب الإرشاد العام هو المرجع الأخير وقراراته نافذة وسارية على الجميع.. أى أنه إلى هذا الحد لم يكن حسن البنا يهزل فى المسألة الرياضية أو يراها شيئا ثانويا وتافها.. بل إنه كان شخصيا هو الرئيس الأعلى لهذه الإدارة الرياضية..
وأمر حسن البنا بتأسيس الأندية الرياضية وفرق كرة القدم التابعة للإخوان فى كل محافظات مصر بلا استثناء.. وبالفعل أصبح للإخوان المسلمين ثمانية فرق للسباحة.. تسعة فرق للمصارعة.. ستة عشر فريقا للملاكمة.. تسعة عشر فريقا لرفع الأثقال.. ثمانية وعشرين فريقا لتنس الطاولة.. اثنان وثلاثون فريقاً لكرة السلة.. أما كرة القدم فقد أصبح هناك تسعة وتسعون فريقا داخل الإخوان أو يلعبون باسم الإخوان المسلمين.. ليس لأن القادة الأوائل للإخوان المسلمين كانوا يحبون الكرة أكثر من باقى الألعاب..
وإنما لأن حسن البنا أدرك مبكرا جدا أن الكرة هى اللعبة الشعبية التى ستحقق كل ما تريده وتحتاجه الجماعة.. فهى بشعبيتها ستسمح باتساع دائرة الذين سيصلهم فكر الإخوان ومنهجهم وتشجعهم على الانضمام للجماعة.. كما أن الكثيرين لا يعرفون اليوم أن الكرة كانت أحد مصادر تمويل جماعة الإخوان المسلمين منذ ستين عاما..
وبقى ذلك كله قائما إلى أن تم حل الجماعة عام ١٩٤٨ ثم اغتيال حسن البنا بعد قرار الحل بعام واحد.. لتعيش الجماعة الفصل الثانى وهو تاريخ حافل بالصدام والحروب والدماء ولا مكان فيه لكرة القدم.. وحين جاء عمر التلمسانى مرشدا عاما وبدأ الفصل الثالث.. لم تعد الكرة رغم عشق التلمسانى لها إلى حد أن رغبته فى مشاهدة المباريات كانت السبب الحقيقى فى دخول التليفزيون لاول مرة مقر الإخوان المسلمين فى التوفيقية.. لا التلمسانى أعاد الكرة ولا كل المرشدين الذين خلفوه رغم غرامهم واهتمامهم كلهم بكرة القدم باستثناء محمد حامد أبوالنصر.. وهكذا لم يأت محمد بديع بجديد أمس الأول حين أعلن عن تأسيس فرق إخوانية سواء للرياضة أو كرة القدم.