يستحيل أن تنطلق في أي رحلة (مشوار) بالتاكسي عبر الأراضي الفلسطينية بدون أن يطرح عليك هذا السؤال التقليدي: ريال مدريد ام برشلونة ؟ فكل عشاق الكرة من الفلسطينيين يشجعون واحد من الفريقين الإسبانيين الشهيرين، كما يرتدي معظم الشباب إما قميص النادي الملكي أو قميص النادي الكتالوني، ويظهر الأمر بوضوح شديد حينما يقيم الشباب مباراة في أحد شوارع رام الله حيث تبدو المدينة كما لو إنها إحدى شوارع إسبانيا سواء مدريد أو برشلونة.
ظلت كرة القدم في الأراضي الفلسطينية حتى وقت طويل مقصورة على تشجيع إحدى الناديين الإسبانيين بحماس شديد، نظرا لأن الدوري المحلي كان متوقفا لأسباب ترجع ببساطة شديدة لظروف الاحتلال، وصعوبة التنقل وسط نقاط التفتيش الإسرائيلية الكثيرة، حتى أن انطلاق دوري فلسطيني محلي أصبح حلما بعيد المنال إلى أن حانت اللحظة أخيرا وبدأ نجم الكرة الفلسطينية يلوح في الأفق.
حمل عام 2011 أنباء سارة حيث شهد انطلاق أول دوري كرة قدم فلسطيني للمحترفين، كما تجري الاستعدادات الآن تحضيرا لتصفيات الألعاب الأوليمبية التي ستستضيفها العاصمة البريطانية لندن عام 2012 في يوليو المقبل أي بعد عام من الآن تقريبا، وبعد ذلك تعتزم كرة القدم الفلسطينية المنافسة بقوة على تصفيات مونديال البرازيل 2014 حيث ستخوض مباراة حاسمة أمام أفغانستان وفي عام 2012 إذا استوفى المنتخب الفلسطيني شروط الفيفا، فسيكون بمقدوره أيضا المنافسة على كأس أسيا لأول مرة في تاريخه.
وبالرغم من ذلك تعتبر كافة أسباب المشاركة مرتبطة في الواقع بشكل مباشر بعوامل خارجية لا علاقة لها بالحماس أو العواطف أو الطموح وعدد ساعات التمرين، بل التحدي اليومي الذي يواجهه المواطن الفلسطيني يوميا حتى تصبح كرة القدم وسيلة لكسب مباراة مع العراقيل التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، الذي يعتبر كل اللاعبين والمدربين والمشجعين والملاعب وحتى المدرجات أهدافا مباشرة له.
يكفي القول أن الابتزاز والملاحقة التي قام بها الجيش الإسرائيلي وحكومة تل أبيب لكل مباراة أو بطولة خلال العام الماضي جعلت بطولة دوري كرة القدم الفلسطيني نوعا من أنواع المغامرة المحفوفة المخاطر.
وبينما يقوم منتخب الكرة الفلسطيني حاليا بإجرء تدريباته واستعداداته للبطولات العالمية التي يعتزم خوضها، يظل ماثلا أمام عينيه تجربة آخر مرة حاول فيها مغادرة الأراضي المحتلة لملاقاة منتخب موريتانيا في فبراير الماضي، حيث تم منع سبعة لاعبين من قبل سلطات الاحتلال اثنان منهم حراس مرمى، وقد نجح الفريق في حل هذه المعضلة بعد الاستعانة بلاعبين فلسطينين مقيمين في الكويت والأردن.
يروي لنا هذه الواقعة المدير الفني للمنتخب الفلسطيني مازن الخطيب، بينما يدخل إلى مكتبه الرياضي وهداف الفريق حسن وديع وهو شاب غزاوي في الخامسة والعشرين من عمره يحمل حقيبة رياضية تخص الفريق الملكي (ريال مدريد) وكان من ضمن اللاعبين الذين تم منعهم من السفر بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة بالرغم من حصوله على تصريح خاص باللعب في الدوري الفلسطيني لكرة القدم للمحترفين في الضفة الغربية على الجانب الآخر من الأراضي الفلسطينية.
ويدرك حسن مدى صعوبة التحدي، فاختياره للعب في دوري المحترفين في الضفة، سيحرمه من العودة إلى غزة حيث ترك خطيبته هناك، وبالتالي أصبح عليه أن يختار بين تحقيق حلمه الرياضي والحرمان من حق العودة إلى أهله.
بين الحنين والغربة والشعور بالفخر يتحدث حسن وهو يكشف في إصبعه عن خاتم الخطوبة، معبرا عن مدى شعوره بالحماس والفرحة لأن خطيبته ستراه يلعب على شاشات التلفاز، مؤكدا أنها وقفت إلى جواره وشجعته على الرحيل حيث قالت له: اذهب .. اذهب إلى الضفة والعب باسم العلم الفلسطيني.
يقول مازن اللعب باسم العلم الفلسطيني هو الهدف الحقيقي لدوري كرة القدم للمحترفين موضحا أن معظم لاعبي المنتخب أو مدربيه اعتقلوا من قبل سلطات الإحتلال خلال الانتفاضة الثانية والآن أصبح بمقدورهم التعبير عن أنفسهم وقضيتهم بصورة أفضل ويكسبون مالا مقابله، نحاول أن نوضح أن لعب كرة القدم هو أيضا وسيلة من وسائل النضال في سبيل القضية الفلسطينية.
يوضح المدير الفني للمنتخب الفلسطيني لكرة القدم قائلا نعيش ثورة حقيقية في عالم الرياضة، نعتقد أن هذه هي افضل وسيلة لانتشال الأولاد من الشارع لنقدم لهم أسلوب آخر للمقاومة ضد الاحتلال الفلسطيني.
يؤكد مازن أن تغيير عقلية المجتمع الذي يفضل نضال الشوارع قد استغرقت منه سنوات طويلة، موضحا أن الحكومة الفلسطينية بدأت منذ عام 2008 المساهمة بميزانيات محددة في تشييد خمس ملاعب وشراء أدوات رياضية، وتأهيل وإعداد فنيين مما ساعد على تحويل طموح تنظيم بطولة الدوري إلى أمر ممكن خلال موسم 2010/ 2011 كأول بطولة لدوري المحترفين في الأراضي الفلسطينية.
بالرغم من تنظيم البطولة إلا أن الهيئة المنظمة لها تتذكر الكثير من المتاعب والصعوبات التي واجهتها ويبرز من بينها العراقيل التي إضطرت لتجاوزها على الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش الإسرائيلية أثناء نقل 12 فريقا اسبوعيا، كما يتذكرون أيضا المرات الكثيرة التي اضطروا فيها لتأخير مواعيد المباريات لساعات طويلة بسبب الاحتجاز في نقاط التفتيش والمبارايات التي كان يتم إلغاؤها أو تأجيلها بسبب العراقيل التي تواجه حرية حركة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
أما المدرب الفرنسي من أصل جزائري موسى بزاز، مدرب المنتخب الفلسطيني فلا يستطيع أن يزيح عن كاهله هاجس الترحيل في أي لحظة أو في أبسط الأحوال اضطراره لمغادرة البلاد إلى الحدود والعودة خلال المعبر مرة كل شهر مرورا بنقاط التفتيش الإسرائيلية التي تقوم باستجوابه في كل مرة حول سبب زيارته للأراضي الفلسطينية، والتي ترفض منحه تأشيرتها بالرغم من جواز سفره الفرنسي.
من ناحية أخرى تبرز صعوبات جديدة أمام تقدم كرة القدم الفلسطينية تتمثل في صعوبة التعاقد مع نجوم كبار لإثراء دوري المحترفين، فيما تتواجد المواهب الشابة الواعدة في مخيمات اللاجئين في سوريا ولبنان وأحيانا داخل إسرائيل، وتعتبر عملية شرائهم لتمكينهم من الحضور واللعب في الأراضي الفلسطينية ضربا آخر من ضروب المستحيل، فاللاجئون محظور عليهم دخول الأراضي الفلسطينية والفئة الثانية، ستفقد حق العودة إلى اسرائيل في حال قبولها اللعب في الدوري الفلسطيني.
ومن ثم يصبح الخيار الوحيد هو تشكيل فرق مغرقة في المحلية مثلما هو الحال في فريق بلدة بيت لحم، الذي يتشكل بالكامل من مدربين ومساعدين من عائلة أبو حمد كبيرة العدد.
مفارقات كهذه وغيرها كثير تضاف أسبوعيا إلى هذا الدوري الفلسطيني المرتجل والذي يصعب التنبؤ به والذي بحسب مديره الفني مازن الخطيب لديه طموح يسعى لتحقيقه بشكل ملح يتمثل في دعوة الألماني يوهان كرويف لتأهيل مدربي الدوري الفلسطيني وتكوين الفريق الذي نحلم به للفوز على أفغانستان.