عندما أدخل إلى غرفتي تكون عتمة مُقبِضة.
أكبس زرا بسيطا في الجدار فيصير نور شديد.
أكبس زر الراديو فتأتي موسيقى تعزفه بالحآن شآديه .
أكبس زرا آخر فتأتي صورة من ذكريآت قديمه .
أمد يدي قرب وسادتي فإذا كتاب «الإخوة كارامازوف»،
ملحمة الشر والخير والتهتك والحب والأبوة الفاسدة والربا والظلم والعدل،
في بيت واحد.
أتأمل في هذه الأشياء الصغيرة التي لم نعد نلحظ وجودها،
ثم أتأمل ثانية، فأرى أن الحياة الكبيرة عبارة عن أشياء صغيرة.
وذرّات في الهواء. مذياع يحمل صوت فيروز وتلفزيون يحمل صورة يسرا
وكتب زهيدة الثمن تطوي الملاحم البشرية،
من هوميروس إلى نجيب محفوظ. نحكي ونكتب في القضايا الكبرى،
وما حياتنا إلا بساطات صغيرة لم تعد في حساب أحد.
لم ندرك أن إنارة المصباح في المساء مثل شروق الشمس بعد الفجر.
كل واحد منا عنده شمسه وقمره في غرفته وفي نفسه.
هكذا غنى الأخطل الصغير
«اليومَ أصبحتُ، لا شمسي ولا قمري/ مَن ذا يغنّي على عودٍ بلا وترِ».
أشياء صغيرة وتفاصيل، هي حياتنا.
قنديل ومحطة قطار وشيء من أم كلثوم وخروج إلى الحديقة.
ولا نعرف أن هذه هي السعادة، إلا في الغد.
كل أمس نطويه يتحول إلى ذكرى سعيدة. بكل فاقته، بكل أقلاقه، بكل خيباته
. لماذا؟ لأنه لم يعد هنا.
لأن قلقه وخوفه ذهبا معه. الخوف الذي يزول هو الخوف من المستقبل.
أن تخدعنا الأيام الآتية أكثر من مما خدعتنا الأيام الماضية.
ثمة سكينة في الماضي ليست في الحاضر، ولا في المستقبل.
لذلك نتقبل ماضينا لأننا لم نعد قادرين على تغيير شيء
فيه: أمس والعصر الحجري مسافة واحدة! لكن المستقبل،
نظل نأمل أن يترأف قليلا.
أن يخفف مما حولنا من مخاوف ورعب
وأناس يزرعون القتل والمجاعات والرهبة في حياة المسالمين والهانئين.
كم هي بسيطة حياتنا، عندما نتأملها.
زر واحد ويذهب العتم، فهل من الضروري تصريح بان كي مون أو خطاب هوغو شافيز؟
شيء من سيد درويش وأسمهان، فلماذا النفاق المتكرر.
ما أعظم هذه الغبطة التي لا تستغرق أكثر من كبسة زر من أجل أن
تحضر إلينا في لحظات.
فإذا أنت. { السعادة ليست باهظة الثمن. }
الباهظ هو عدم الاكتفاء،
وهو الخوف على سكينتنا من سكاكين الآخرين.
ليس أسهل من تأمين الهناءة للأفراد.
لكننا للأسف، لم نعد أفرادا. نحن جماعات خائفة تدور حول نفسها.
لا تشرقنا شرق وغربنا غراب.
أغلى الأشياء في حياتنا مجانية: الهواء والضوء والنزهات وروائح الحقول وصوت الأنهر
ومشهد البحر وأنغام سيد درويش
وكتب القدامى والياسمينة المتدلية من حديقة الجيران
. اهدأ. اهدأ. لا شيء يستحق الغضب.
hgsuh]m gdsj fhi/m hgelk>