لم أتوقع أن تكون الفتاة الجميلة التي تجلس على مقعد خارج غرفة مديرة القسم النسائي في سجن «بريمان» وبجوارها إحدى السجّانات،
فوز الغامدي - جدة
أنها نزيلة خلف أسوار هذا السجن، تجاهد الأيام حتى لا يزوى ويذبل جمالها.. وكانت الصدمة أن دخلت علي كي أُجري معها لقاءً كما اتفقت مع إدارة السجن مسبقًا، حينها علمت أن لهذه الفتاة قصة فيها كثير من العبر والعظات، علمت أنها كانت تدرس علم النفس في إحدى الجامعات المرموقة، وتسبب جمالها المبهر في دخولها عنبر الإصلاح مع النزيلات الأخريات عتيدات الأجرام.. تابعوا قصتها..
«أحب أن تناديني بـ«الأمل المجروح» بدلاً من اسمي الحقيقي «شروق»؛ لأن حالي لا يوحي بالإشراق والتفاؤل».. بدأت الفتاة حديثها بهذه العبارة مستطردة: أنا الآن إنسانة قريبة جدًا من خالقي الذي لا يرد عبده التائب، ويفتح له مئات الأبواب، أقبع هنا منذ عام بعد أن حُكم علي بالسجن والجَلد، وبقي من محكوميتي أسبوعان، وهذا ما يُثير قلقي؛ لأنني أشعر هنا بالأمان وأرفض الخروج للمجتمع الذي رفضني ودفعني إلى الجريمة.
أسرتي الجانية
توضح: الجميع أخطأوا في حقي، بدايةً من أسرتي التي تفتحت عيناي على الخلافات بين والدي ووالدتي أمامي وأشقائي الأربعة، فأنا البنت الوحيدة وأكبرهم؛ لذا تجدينني أكثر من تألّم من تلك الخلافات القاسية، كان والدي مدمنًا ويتعاطى الحشيش يفقد شعوره دائمًا، ويضرب والدتي ضربًا قاسيًا أمام ناظرينا، ولم أتجاوز السادسة من عمري حتى اتفق والدي على الطلاق لنجني حصاد هذا الانفصال القاتل، بعدها استقل والدي في منزله الخاص، وانتقلنا بعدها ووالدتي إلى بيت جدي لأبي، لكن هذا لم يدم طويلاً، لقد بدأ والدي يهدد والدتي ليأخذني عنوة ويهددها أن يرحلها إلى بلدها الأصلي لأنها على كفالته، فسلمتني إلى ذلك القاسي على شرط ألا يحرمها مني، ويفتح بابه لإخوتي كي يزوروني فوافق، وعشت بينهما، بعدها وجدت والدي لا يهتم بي وكان يُحضر أصحابه آخر الليل، ويقضون ليالي شُرب وضحك مخلّ.
نظرات شيطانية
تنهمر الدموع على وجنتيها المحمرتين في صمت، ومن ثم مضت قائلة: كان يطلب مني أن أعدّ لهم الشاي والقهوة وعلي أن أسهر كي أوفر لهم حق الضيافة رغم أنني في فترة دراسة وامتحانات، لكنه لم يكن يأبه بذلك، كما كان يجبرني أحيانًا على الدخول على أصحابه وأنا أرتدي ثياب النوم القصيرة، فكنت أدخل ونظرات الذئاب تفترسني، وفي أحد الأيام هربت إلى بيت جدي، وحينما
علم والدي جن جنونه فقام بطرد والدتي من منزل جدي، لتستقل في إحدى الشقق المفروشة وتستقر بها معي وأشقائي الصغار، وواصلت تعليمي حتى التحقت بإحدى الجامعات المرموقة وتخصصت في علم النفس؛ لأنه الأنسب لظروفي القاسية، وعاود والدي ضغوطه حتى اضطررت للعودة والإقامة معه، كنت أأمل أن يكون حاله قد أنصلح، لكنني وجدته ما زال يكرر الأوضاع نفسها، والأدهى أنه سحب مني «جهازي النقّال» ومنع أخوتي من لقائي كي لا أخبر والدتي بما يحدث، قائلاً: «لا بد أن أعذّب والدتك بك كما عذبتني وحرمتني حبها!!».
وذات يوم دخل علي والدي وأنا في المطبخ وكان على غير حالته الطبيعية وحاول أن يستدرجني لكنني لم أمكّنه وهرعت إلى غرفتي وأخبرت والدتي، فأخذت تهدأ من روعي وتقول: «ربما يكون والدك شعر بالذنب وبدأ يظهر لك الحنان والحب الأبوي.!!»، وعبثًا حاولت أن أقنعها أن نظراته لم تكن نظرات أبوة، إنما نظرات شيطانية».
هروب وخلوة
تضيف «شروق» وآهات الظلم تغلف صوتها الحزين: ذات يوم حضرت مع والدتي حفلة زفاف لجيران والدتي، بعدها قدمت أسرة ومعها شاب وسيم ذو وظيفة مرموقة ليتقدم لخطبتي، فوافقت والدتي لكن والدي رفض بشدة وحرمني فرحة العمر، «حسبي الله»، ليته وافق، لقد تعبت نفسيًا بعدها وتألمت كثيرًًا، ومرت أشهر ولم أقابل والدتي ولم أجد سوى أن ألجأ لإحدى صديقاتي، وللأسف كانت صديقة سوء، زرعت فكرة هروبي من منزل والدي قائلة: «كيف بك أن تمكثي عند هذا الأب الشرير القاسي، حرام أنت شابة صغيرة وجميلة، كيف تعيشين دون صديق يساندك؟!»، وهكذا قادتني للتعرف إلى شاب يدعى «سمير»، ادعت أنه شقيقها، فشربت كذبتها وذهبت معها إلى منزلها الذي شعرت في بداية الأمر بالأمان الأسري الذي حرمت منه داخل أسرتي، ولم أدر أن رفيقة السوء الماكرة أخذت شريحتي ودمرتها ومسحت كل أرقام هاتفي النقال كي لا أعود للماضي، ولم يكن في ذاكرتي سوى رقم شقيقي، ومر شهر كامل وأنا مستقره نفسيًا ولدي صديق رغم أنه متزوج، وبعد ثلاثة أشهر بدأت تلك الماكرة تكشر عن أنيابها وتقول: «لقد انتهت الضيافة، لنذهب سويًا إلى إحدى الشقق المفروشة ونقضي ليلةً رومانسية، كوني مبتسمة ومتهيئة لذلك»، كنت خائفة، ودون أن تعلم اتصلت على شقيقي وسألته عن الأوضاع أثناء غيابي فأجاب بأن الدنيا «مقلوبة» علي، وأن والدي أبلغ الشرطة، وعلمت أنني لو رجعت لقتلني والدي، فلم أجد سبيلاً سوى القبول بالوضع المخلّ حتى تمكنت من الهرب إلى شقة أحد الأصدقاء، لكن سرعان ما ألقي القبض علي بتهمتي الهروب والخلوة غير الشرعية.
خلف القضبان
تعود «شروق» إلى واقعها بعد عام خلف الأسوار قائلة: رغم كل هذا القلق والخوف إلا إنني وجدت داخل الإصلاح أمًا حقيقية انتشلت ذلك الألم والأسى، لقد تخلّى والدي وأسرتي عني، فوجدت هنا القلب الحنون متمثلاً في مديرة القسم النسائي فوزية عباس، وجهتني إلى الخير، وأنستني كثيرًا من آلامي؛ لذلك أرفض العودة إلى المجهول، وأأمل أن يُسمح لي بالبقاء هنا خلف الأسوار..موضحة أنها تمكنت خلال فترة السجن من الحصول على تأهيل حرفي من جمعية الشقائق، فباتت خبيرة تجميل ومنسقة زهور، وتتقاضى أجرًا شهريًا نتيجة لإتقانها المحترف.. ليس هذا فحسب، بل اكتشفت أيضًا أنها شاعرة، فدوّنت قصتها من خلال قصيدة شعرية مطوّلة يدمع لها القلب قبل العين.
كلنا مسؤولون
أكدت فوزية عباس، مديرة السجن النسائي، أن هذه الحالة ضحية لأسرتها التي لم تقم بتقييمها الصحيح الذي يؤهلها لتفادي الوقوع في مثل هذه الأخطاء، وهنا نجد دور المجتمع وهو تخلّي أفراده عن مسؤولياتهم الاجتماعية، أما عن سلوك «شروق» داخل العنابر فتتفاوت السجينات وتختلف أطباعهن من نزيلة إلى أخرى، فهناك نزيلات تبدو علامات الندم واضحة عليهن من خلال حسن التعامل، التمسك بالأخلاق والقيم، وعدم الفوضى والشغب كما وضح ذلك لهذه النزيلة، فهذه الفتاة وجدنا بها طموحًا عاليًا، وأعتقد أنها في حال خروجها من الإصلاح ستواصل مسيرتها العلمية بنجاح.
rwi lHsh,di - pskhx s[k fvdlhk k/vhj ,hg]d hgad'hkdm H]ogjkd hgs[k